الأربعاء، 4 مارس 2020

القضية السورية... وحقوق الإنسان


بقلم: علي طه النوباني
قلت في مقالتي السابقة الموسومة ب:" البرمجة العصبية والقضية السورية" إنني مع الدولة السورية في الوقوف بحزم أمام محاولات احتلالها ومصادرة قرارها العربي القومي. ولعله قد فاتني أن أوضح مسألة مهمة تتعلق بتداخلات القضية السورية مع منظومة حقوق الإنسان التي أعتبرها ثابتاً لا يجوز بأي حال تجاهله والقفز عنه.
شاهدت الكثير من مواد الفيديو التي تصور انتهاكات فادحة لحقوق الإنسان سواء من قبل الجماعات الإرهابية في سوريا والعراق، أو تلك المنسوبة إلى الأجهزة الأمنية في سوريا. فأما تلك المنسوبة للجماعات الإرهابية فهي لا تنفيها بل تعلن عنها كإنجازات تناسب فكرها وأيدولوجيتها المتطرفة، وليست بحاجة إلى تَحقّـق غالباً.
أما تلك المنسوبة للنظام فإني أنظر إليها من جانبين:
الكثير منها مفبرك بطريقة سخيفة للغاية، ولكنّ هنالك جزءاً لا بأس به موقِع نظر وبحث، ومن الممكن أن يكون قد حصل فعلاً، ومن ذلك ما ترويه السيدة رشا الشربجي عن حبسها وهي حامل بتوأم مع أطفالها الثلاثة في أحد سجون سوريا حيث تم فصل أطفالها عنها وإرسالهم إلى الميتم، وتم وضعها في ظروف سيئة في السجن، ثم تمّ الإفراج عنها وإعادة أطفالها إليها حيث تظهر في نهاية الفيديو مُهاجرة في إحدى الدول الأجنبية.
لكنَّ أقوى شبهات التعذيب والقتل تظهر في مجموعة صور قيصر التي نشرتها هيومن رايتس ووتش، والتي يظهر فيها صور أشخاص تعرضوا للتعذيب حتى الموت في المعتقلات والسجون السورية، حيث تؤكد HRW أنَّ التحقق من صحة الصور تمَّ من خلال مقابلات مع أقارب الضحايا، وصور الأقمار الصناعية التي حددت مواقع المعتقلات والسجون.
وإذا كانت حجة الدولة السورية في عدم الموافقة على دخول مراقبين دوليين إلى السجون والمعتقلات تتعلق بمخاوف أمنية؛ فإنَّ ذلك لا يُعفي الدولة السورية من اتخاذ إجراءات حاسمة لوقف جرائم التعذيب والممارسات اللاإنسانية، وهنالك العديد من الطرق لتحقيق ذلك، ومنها بثُّ مواد إعلامية متنوعة من السجون والمعتقلات، واستدعاء مراقبين مُحايدين ممن يقبلهم جميع الأطراف، وإجراء زيارات علنية للسجون والمعتقلات للوقوف على واقع الحال، والخروج عن الصمت إزاء الكثير من الأخبار ومواد الفيديو التي تتحدث عن التعذيب والقتل.
إنَّ خوض الحرب لا يعني بأي حال من الأحوال انتهاك حقوق الإنسان، واللجوء إلى التعذيب والقتل، والاعتقال دون محاكمة عادلة، ولا يعني الإساءة للأطفال وانتهاك حقوقهم. وينبغي أن يؤدّي الالتزام بقضايا الأمة وحقوقها المشروعة إلى الحرص الشديد على احترام الإنسان وإعلاء شأنه.
 إنما يحارب الناس من أجل كرامتهم وحقهم في الحياة، فإذا ما هدرت كرامتهم، وهدر حقهم في الحياة: لماذا يحاربون؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق