الثلاثاء، 7 أبريل 2020

فيروس كورونا والنقود


بقلم: علي طه النوباني
ورد إليَّ الكثير من استطلاعات الرأي حول الشراء عبر الانترنت، وحول استعمال بطاقات الاعتماد المختلفة للشراء وإجراء المعاملات، بل إن بعض البنوك قدَّمت لعملائها بطاقات للشراء الإلكتروني مع إعفاء من العمولة لفترة محددة على سبيل الترغيب في الاستمرار في التعاملات المالية الإلكترونية.
وفي هذه الأيام، ومع هوس الحديث عن الفيروسات والكائنات المجهرية والبكتيريا، والذي يسبب حكَّة جلديَّة وشعورًا دائما بالتحسُّس، يتزايد الحديث عن قذارة النقود، وضرورة التخلص منها كمستودع للقيمة، وأداة للشراء والبيع بحجة أنّها تنقل الفيروسات والبكتيريا، وربما تتسبب بانتشار الأمراض بين الناس. ولكن، هل هي مسألة فيروسات وبكتيريا وحسب؟ فالناس في المولات والدكاكين يلامسون البضائع ويعيدونها للرفوف في كثير من الأحيان، ويلامسون درابزين الدرج العادي والكهربائي، ويلامسون آلاف الأشياء يوميًا في الأماكن العامة والتي لامسها غيرهم قبلهم، فلماذا يتم التركيز على النقود وشيطنتها تحديدًا، ولماذا كل هذا الهجوم عليها حتى أنّ بعض الدول تسعى إلى التخلص الكامل من التعاملات النقدية.
لو كان الأمر عقلانيًا وحسب، لقلنا إنه يمكن المحافظة على النوعين من التعاملات حسب الحاجة: التعامل الإلكتروني، والتعامل النقدي، ولكن هنالك من يريد إلغاء التعامل النقدي نهائيًا، ولا أحسب دعواه بريئة أبدًا، فالتعامل النقدي يحافظ على هامش من الحريّة والاستقلاليّة للإنسان في حين أن التعامل الإلكتروني يجعله فريسة للعديد من التهديدات منها:
- عندما يعطيك البنك بطاقة التعاملات الإلكترونية يوقعك على العديد من الصفحات المكتوبة بخط متناهي الصغر تحتوي على تحميلك كامل المسؤولية عن أي خطأ ينتج عن استعمال البطاقة بما في ذلك أي قرصنة تتعرض لها ويحصي مئات الاحتمالات الخطرة التي يتحملها العميل وحده.
-  في بداية الأمر، سيتم إقناع العملاء بالتعاملات الإلكترونية دون أي عمولات ريثما يوافق على التخلص من النقود، وبعد ذلك سيبدأ فرض العمولات على نحو متصاعد، ساعتها لن تستطيع إرجاع الزمن إلى الوراء بالعودة إلى زمن النقود، سوف توضع القطع النقدية في المتحف ويجد العملاء أنفسهم رهائن لدى مؤسسات مالية عملاقة لا ترحم.
-  تخيل لو أنَّ قرارًا من الدولة ورد إلى البنك لسبب أو لآخر بتعطيل بطاقتك في وقت حساس، ماذا تستطيع أن تفعل؟ وكم ستكون خسائرك على الصعيد المالي والإنساني؟
-  المنشآت الكبيرة والمولات الكبيرة هي التي ستتمكن من تكييف أوضاعها مع النمط الإلكتروني، وقد يتسبب ذلك باختفاء المنشآت الصغيرة من السوق مثل الدكاكين وأصحاب الصنائع الذين يصبحون مجبرين على الالتحاق بشركات كبيرة تمص دماءهم مقابل بطاقة إلكترونية يتم تجميدها بكبسة زر؛ فيجد الشخص نفسه عاريًا في الهواء الطلق.
-  عندما تتحكم المنشآت الكبيرة بكل شيء، ستتحكم بالأسعار أيضًا، وسوف تفرض على المستهلك أسعارًا مرتفعة للسلع والخدمات. وسوف تدفع أجورًا زهيدة لعمالها مع الصعوبات التي ستنشأ أمام المنشآت الصغيرة.
-  سوف يتم التحكم بأنواع السلع والخدمات وجودتها، وإذا ما قررت دولة أن تحرم البطاطا أو البندورة مثلاً؛ فسوف يكون من السهل عليها الرجوع إلى قائمة مشترياتك ومعرفة ما اشتريت قطعة قطعة.
وهكذا لو نفكر سنجد أنَّ الحياة كلها ستتغير، وأن المسألة ليست متعلقة بالعدوى والفيروسات كما يدَّعون، إنها متعلقة بجشع أصحاب البنوك وكبار الرأسماليين الذين يخططون على المدى البعيد للعودة إلى عصر العبودية من خلال بطاقات إلكترونية بدلا من السلاسل الحديدية. ومن سخرية القدر أنَّ البطاقات نفسها وأجهزة الصراف الآلي وأجهزة الدفع الإلكتروني في المؤسسات المختلفة تنقل الفيروسات والجراثيم أيضًا؛ لكنهم لا يتحدثون عن ذلك، لأن ذلك ليس في مصلحة مشروعهم الذي يتنصل من كلِّ المواثيق والعهود الدولية لحقوق الإنسان.  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق