الاثنين، 30 مارس 2020

التنوع والثراء في الحوار المتمدن




بقلم: علي طه النوباني
ما فائدة حجب وجهة نظر، والإفصاح عن أخرى؟ وما فائدة منع أولئك الذين يختلفون معنا مِن قول آرائهم، والسماح لمن يتفقون معنا بقول ما يريدون؟
إنّ التفاعل الحرَّ للآراء دون تشنج، ودون شتم وإساءات مباشرة هو الذي يسمح للعقل الحر في المجتمعات بالتطور، ويجعلها قادرة على مواجهة الأزمات؛ وابتكار الحلول المناسبة، ويجعلها قادرة على الإبداع والتقدم.
هل أعجبكم منظر الخليفة وهو يُـقطع جسد عبد الله بن المقفع، ويلقيه في النار قطعة بعد أخرى.
وهل أعجبكم منظر الخليفة وهو يقتل بشار بن برد، وهو الذي قدم للعربية باقة من أجمل وأروع كنوزها، وهو العجوز ذو السبعين عامًا.
وهل يسعدكم النظر إلى جسد الحلاج وهو مصلوبٌ على ضفاف دجلة.
وهل أعجبكم منظر الجماهير التي تعلمت فن التصفيق والتسحيج للرأي الواحد الذي يزيِّـنه ذات الأشخاص الذين يتكفلون بالقضاء على أحلام الناس، وإرسالهم إلى الجحيم.
مهما اختلفنا حول التفاصيل والأفكار، فإنه ليس بمقدور عاقل أن يغفل أن عالمنا هذا يقوم على التنوع الشديد، وأن الأفكار الأقرب للحقيقة لا تأتي إلا بالنظر للأشياء من جهات كثيرة، ومن زوايا نظر متعددة؛ نقارن بينها ونتأملها فنغير جزءاً هنا؛ وكلمة هناك في عملية مستمرة لا تتوقف أبداً هي أساس قدرتنا على التكيف والبقاء، وهي قائمة على التشارك حينا، والتنافس حينا آخر، ولا يمكن لهذه العملية أن تكون فاعلة إلا بشعور الإنسان بأنه لن يفقد رأسه بسبب رأيه، وشعوره بأنه يخدم غاية سامية بالمشاركة، وشعوره أيضًا بالاحترام تجاه محاولات الآخرين حتى لو لم يتفق معهم.
ينضوي هذا الفكر تحت عنوان التواضع والاعتراف بضآلتنا في هذا الكون، ويكفي أن أذكر لمن لا يعترفون بضآلتنا وحاجتنا إلى التواضع أنّ الواحد منا بحاجة إلى أن يسير بسرعة الضوء ملايين السنوات لكي يبلغ حافة مجرتنا ناهيك عن بلوغ حافة الكون... تواضع يا أخي، ليس من أجلي؛ بل من أجل الحياة، ومن أجل الأجيال القادمة؛ فالشعوب التي تقبع في آخر سلم التقدم هِيَ الأولى بالتواضع واحترام الآخر والترحيب بآراء الناس ومساهماتهم لعلها تلحق ركب الحضارة الذي تركها في حضيض التخلف والانحطاط.
تواضع يا أخي، فكل ما يحيط بك أنتجته الأمم الأخرى، ملابسك، موبايلك، قلمك، ورقتك، حاسوبك، ثلاثة أرباع طعامك... حتى أنه لم يبق منك سوى جسدك العاري.
أعبر عن تقديري البالغ للدور الراقي والمحترم الذي يقوم به موقع الحوار المتمدن، وأحسبه المنبر الأخير الذي لا يحجر على أحد في بلاد صارت تُـوَجِّهُ كلَّ شيء نحو ما تتبناهُ نخبها المريضة وأصنامها البشعة. وبدلا من أن تنعكس ثرواتنا رفاها وحدائق للجمال والإبداع، أصبحنا الأول في العالم في بناء السجون الحقيقية حينا والافتراضية حينا آخر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق