السبت، 28 مارس 2020

الكوادر الصحية حصان طروادة لعبور المرحلة


بقلم: عبد الله حناتلة

يُزعجنا كثيراً الحجرُ الصحي في المنازل، ويَشغلنا أيضاً كثيراً الحصول على الخبز والخيار والخضار والأرز وغيرها. لم نفكر بأولئك الذين هجروا بيوتهم ونذروا أنفسهم للوطن، ولم نفكر بأن لهم بيوتاً يتوقون لدفئها ووثير فراشها، وأمهاتٍ يرقبن عودتهم، وأبناءً يشتاقون إليهم، وأطفالاً يشاغلهم الشوقُ لاحتضانهم وتقبيل أيديهم الغضَّة، وكم يترقرق الدمع في عيونهم وهم لا يجدون غير جوّالاتهم لمشاهدة فلذات أكبادهم وسماع دعوات أمهاتهم.
مُحاصرة كورونا هي شاغِلهم الوحيد، يرقبون سلوكياتهم في المستشفيات وأقسامها، وعند استقصاء الحالات بمنتهى الدقة والحذر كيلا ينتقل الفيروس عبر الكفوف الواقية أو قناع الوجه أو غطاء الرأس إلى شخصٍ آخر أو إلى أحدٍ منهم مدَّخرين أنفسهم لخدمة الناس ومرضاهم، ومكتنزين قواهم لأيام قادمةٍ يخشون أنها ستكون عليهم وعلينا صعبة وقاسية.
ليلهم ثقيل الخُطى وهم يراقبون الشاشات المرتعشة لأجهزةٍ يشق صفيرها هدوء الليل وسكونه، وتعييهم الساعات التي يَعدّونها ليحملوا بشرى أحدهم بنتيجة سالبة لفحص كورونا، أو لِـيُـصرّوا على إبقاء جذوةِ أملٍ مشتعلةٍ في صدرٍ أنهكهُ الفيروس.
نعم أيها الكوادر الصحية في وزارة الصحة والخدمات الطبية والدفاع المدني على اختلاف مسمياتكم وأدواركم ووظائفكم، وعلى اختلاف مجالات عملكم الوقائية والعلاجية، نعم؛ أنتم يا أصحاب المراييل البيض، أنتم مَنْ تلاشت عندهم الأنا فصارت أنتم والوطن، وأنتم مَنْ تتسامون اليوم بالنقاء والتضحية، وأنتم مَنْ تهيج بكم المخاوف علينا لكنكم تحرصون على غرس السكينة فينا وإشاعة الأمل، فلا يمكن لجاحدٍ اليوم أن يجادل بعطائكم ودوركم، ولا يمكن لباغضٍ تكذيب تضحيتكم وفداءكم، ولا يمكن لأحدٍ التشكيك بانتمائكم وإيثاركم.
نحن نجلس في البيوت ضجرين من أطفالنا، وأنتم ينازعكم الشوق لأبنائكم، نجالس أسرنا والملل يسكن صدورنا؛ وأنتم تتقدون شوقاً لأمهاتكم وزوجاتكم، نحن نلعن طول الوقت والفراغ، وأنتم تسترقون لحظةً تلقون بتعبكم إلى كرسي أو تسندون ظهوركم الى حائطٍ أصمٍ علَّه يمتص شيئاً من معاناتكم.
كلنا معكم اليوم، وكلنا وراءكم نتحلق بكم، نرفع القبعات لكم، وننحني أمام عطائكم. آمالنا وقلوبنا معلقة بكم. فأنتم طوق نجاتنا، وأنتم المقدّمة والمؤخرة والميمنة والميسرة والقلب لجيشنا في مواجهة هذا الفيروس، تعالجون وتستقصون وتختبرون وتصورون وتمرّضون المصابين، والفيروس يتربص بكم وبمرضاكم.
نعرف كم هاجمناكم، واعتدينا عليكم في أقسام الطوارئ والمراكز والعيادات، لكنّكم كنتم تجدون لنا العُذر وتصفحون دون منَّةٍ، وها نحن اليوم نختبئ وراءكم وأنتم تواجهون العدوّ، نجلس في البيوت فنملّها ونجيء إليكم بترفنا ودلعنا؛ وأنتم بأشدّ الحاجة لفترة راحةٍ تستجمعون فيها قواكم.
أيّها الكوادر الصحية، أيتها النشميات والنشامى، يا من أنتم وراء الكواليس، الأردنّ اليوم أمانة في ضمائركم الحيّة، نحن وأبناؤنا وأمهاتنا وآباؤنا أمانة في أعناقكم؛ فلا تلتفتوا لإزعاجنا، ولا لتقصيرنا، ولا يثنيكم عتبكم علينا عن أداء واجبكم، نحن مقصرون كلّنا مقصرون أفراداً وجماعات ومؤسسات وهيئات، إعلاماً وصحافة، إذاعات وفضائيات، لم يُلقِ أحدٌ منا الضوء على تضحياتكم ومعاناتكم؛ ولا على عطائكم ولا على سهركم وتفانيكم، ولا على خُطورة ما تقومون به وأهميته. 
اعذرونا فنحن لا نعرف أنكم حصانُ طروادة الذي سنعبر به هذه المرحلة بعون الله.
سنصلّي لأجلكم بكل دياناتنا ولهجاتنا وطقوسِنا وعباداتنا ليُمدّكم الله بالقوَّة والعزم، وليرزقنا حُسن التدبير والتقدير لِـنُهـوّن عليكم هذه المعركة، وليكون النصر حليفنا وحليف أردننا الحبيب.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق