السبت، 28 مارس 2020

فيروس كورونا، والإعلام المرئي


بقلم: علي طه النوباني
أزمة كورونا أعادتنا لمشاهدة محطات تلفزيونية تركناها منذ سنوات، ولكن العودة لم تكن محمودة، فقد تفاجأنا بأن واقعنا الإعلامي لم يتغير؛ بل زاد سوءًا ففي ذروة الحدث تفتح جهاز التلفزيون وأنت تنتظر ملخصاً عما يحدث، أو برنامجًا حواريًا يناقش الأحداث الملتهبة بحرية وعمق، أو مادة تثقيفية أحسنت صياغتها لتكون مناسبة لكل فئات الناس من بسطاء ومثقفين وكبار في العمر وشباب وأطفال، ولكن الصدمة تكون قاتلة عندما تجدها تبث في ذروة الحدث مسلسلا قديمًا أو أفلام الكرتون أو برنامجًا وثائقيًا عن تاريخ صناعة التماثيل الخشبية.
ولكن أكثر ما يُغيظ في هذه المحطات هو طريقة اختيارها للإعلاميين الذين يَخرجونَ على الناس بأنماط مفتعلة تثير الاشمئزاز، وتجعلك تغير القناة حتى لو كانت ستعطيك ألف دولار عن كل دقيقة مشاهدة، فهذا واحد من مقدمي البرامج يُجلس ضيفًا عن يمينه، وآخر عن يساره، وَيُشوِّح بكلتا يديه في استعراض واضح، بينما عيناه تتحركان بطريقة بوليسية نحو كلٍّ منهما، ربما ليُخبرك بأنه ختم المعارف كُلَّها، ولم يُبقِ من المجد شيئًا لغيره من الناس، وربَّما ليُشعرك بأنه الآن يجالس عِلية القوم، وأنه واحدٌ منهم؛ وليس من عامة الشعب الذين يتفرجون الآن عليه عبر الشاشة الصغيرة.
وذاك إعلامي آخر يدخل على الأستوديو بكامل القيافة الإنجليزية، ويقفُ أمامنا ليبدأ خطاباً شاملًا سَهِر الليل لإعداده؛ فتسمعه نصفَ ساعة؛ وأنت تبحث عن جملة مفيدة تُبين ما يريده الرجل غير النفاق الرخيص والمراءاة المكشوفة؛ فلا تجد شيئاً ذا بال، وكأنما يستعمل المشاهدين (كومبرز) ليؤدي دورًا مُفاده: أنا هنا، وأنا أتقن القيافة الإنجليزية، وأنا مُوالٍ حتى النخاع، وأنا أصلح وزيرًا أو حتى مديرًا عامًا، فانظروا نحوي.
مع الأسف، لم يتطور إعلامنا قيد أنملة، بل زاد جمودًا وجفافًا، وفشل في أن يكسب الناس بعد رحلته الطويلة. والغريب في الأمر أنه بسبب غياب الدور الفاعل للإعلام المرئي اضطرت بعض الشخصيات الرسمية للقيام بهذا الدور بنجاح واضح، فهذا هو أحد الوزراء يقدم رسالة إعلامية مؤثرة في حين يحتفظ الإعلام المرئي بخطابه الخشبي القديم الذي أكل عليه الدهر وشرب.
لقد توقعت أثناء أزمة فيروس كورونا أن يستقطب الإعلام المحلي اهتمام الناس، ويؤثر في توجهاتهم بخطاب يقترب منهم؛ ويكسب ثقتهم، ويشعرهم أنهم يشاركون في صياغة مناهج وخطط الاستجابة لمكافحة الفيروس، وآليات الخروج من الوضع الصعب بأقل الخسائر، وذلك لا يكون إلا بخطاب وِديٍّ يَبني الروح الوطنية التي لا يمكن تحفيزها إلا بابتكار أساليب مبدعة وذكية في محاورة الناس والاستماع إلى همومهم دون فوقية وتشنج.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، فإنَّ الحجر الصحي، ومفاهيم التباعد الاجتماعي لحصر الأوبئة، ومكافحة انتشارها، هو باب علميّ متخصص جداً يحتاج إلى شرحٍ مُبسّط يـتـكرّر بأكثر من طريقة ويتلقى الاتصالات من الناس لمناقشته لكي يتبنوه ويلتزموا به ويشعروا بضرورته، وما لم يتمّ توصيل هذه المسائل من قبل الإعلام المرئي الذي يمكن أن يستقطب جميع الناس، فمن إذن هو الذي سيقوم بهذا الدور الهام.
وفي نهاية المطاف؛ فإن أخطاء الإعلام الفادحة تكلف المجتمع والدولة كلفًا باهظة لأنها تترك الفجوة واسعة بين الحكومة والناس، وأحسب أنَّ الحكومة بسياساتها عبر العقود هي التي أرادت للإعلام أن يتجمد على هذا النحو، فهلا أدركت كم سيساعدها الإعلام لو كان بمستوى الطموحات.
·       روائي وشاعر من الأردن
  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق