الأربعاء، 19 فبراير 2020

رحلة البحث عن كابوريا في جرش


بقلم: علي طه النوباني
أقود سيارتي المعدلة لذوي الإعاقة بيديَّ الاثنتين: اليسار تمسك بدعسة البنزين والبريك واليمين تمسك المقود، وحتى لو قررت أن أخالف القانون وأستعمل الهاتف أثناء القيادة؛ فإنني لا أستطيع. وطوال الأعوام الماضية كنت كلما احتجت إلى مكالمة ضرورية؛ أتوقف على اليمين وأجريها. والمفارقة اليوم أني وجدت أنه قد تم تحرير مخالفة غيابية لسيارتي مضمونها استخدام الهاتف أو جزء منه محمولا باليد أثناء السوق.
كيف استعملت الهاتف أثناء القيادة؟
الحكومة وحدها تعرف، وعلينا أن ندفع!
أمس الثلاثاء الموافق 18/2/2020في الساعة الحادية عشرة إلا ربعاً، احتجت للتوقف قليلا أمام غرفة تجارة عمان ولاحظت وجود لافته موقف للمعاقين عند بوابة المبنى فتوقفت عندها تماما، إلا أن رقيب السير طلب مني التحرك فورا وإلا فإنه سيخالفني، أشرت نحو اللافتة لكنه تجاهلها وطلب مني التحرك، فتحركت وأنا أتساءل ما هذه الغرائبية التي نعيشها.
لماذا وضعوا لافتة موقف لذوي الإعاقة إذا كان ممنوعاً الوقوف عندها؟
الحكومة وحدها تعرف!
قبل أيام، ذهبت إلى مكتب وزارة التعليم العالي في جامعة جرش لتصديق صورة عن شهادة بكالوريوس صادرة عن جامعة حكومية، وتفاجأت أن قام الموظف بتصديق الصورة بدينار، ثمَّ أعلمني أن الأصل أيضاً يحتاج إلى تصديق بدينار آخر، الغريب في الأمر أن الجامعة التي أصدرت الشهادة أخذت 62 دينار بدل إصدار شهادات، ولم تعلمنا أنها تحتاج إلى تصديق من وزارة التعليم العالي.
لماذا يتم تصديق النسخة الأصلية من الشهادة، وإذا كنت قد دفعت 62 دينارا بدل إصدار شهادات أصلية فكيف أدفع لتصديقها وهي أصلية.
وإذا كان يُكتب على الصورة " صورة طبق الأصل" فحريٌّ بهم أن يكتبوا على الأصل "أصل طبق الأصل"!
الحكومة وحدها تعرف كل شيء!
أذكر في المسلسلات والأفلام المصرية الصورة النمطية للمجرم المتخصص بتزوير العملة وهو واقف أمام ماكنة الطباعة ويداه مليئتان بالحبر، يسحب القطعة النقدية تلو الأخرى، ويتأملها ملياً بفرح غامر. ربما في هذه الحالة فقط يمكننا أن نلبي طلبات الحكومة. أينك يا طابع العملة "كابوريا"، تعال لكي نتمكن من التصديق وتصديق التصديق والمصادقة على التصديق.
أكثر من خمسة آلاف سيارة بكب في جرش تعمل تكسي أجرة بشكل غير قانوني، وتحتل المواقف على جوانب الطرق، وتسبب فوضى عارمة، والحكومة لا تراها، لكنهم يرون جزءا من هاتفي بيدي أثناء القيادة.
عشرات السيارات يقودها أطفال غير بالغين يأتون للتفحيط والتشحيط أمام مدرسة البنات المجاورة لبيتي، ولا تراهم الحكومة.
أصحاب المحلات يضعون بضائعهم على الأرصفة، والمشاة يسيرون في منتصف الطريق، وعجلات السيارات تزاحم الأحذية المتحدية: "إذا إنّـك زلمة إدعسني" والحكومة لا ترى سوى جزء من الهاتف في يدي.
مئات المطبات التي تم بناؤها بشكل فظّ يؤذي السيارة وركابها حتى لو تمَّ خفض السرعة إلى صفر، ومئات أخرى من المطبات والحفر التي نتجت عن المطر بسبب جودة الإسفلت المذهلة، ولا تراها الحكومة، ولا تعرف أبداً أنها تؤذي ممتلكات الغير، ولا تعرف أنه لو سيدة حامل سرحت قليلا قرب مطب فقد تسقط حملها، لكنها ترى جزءاً من هاتفي في يدي!
الحكومة ترى ما تريد، وتغض الطرف عما لا تريد رؤيته، فهي تعرف أنها تطلب من مواطن دخله 300 دينار أن يدفع 600 شهرياً، وتعرف أيضا أنه لا يستطيع الاستمرار في هذه المهزلة سوى "كابوريا" و "برغي" و " سمكة" ممن يطبعون العملة ويضحكون بصوت مليء بالقهر والشعور بالظلم.
أينك يا كابوريا؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق