الثلاثاء، 24 مارس 2020

الكورونا أقرب إلينا مما نتوقع لا تستثنوا أنفسكم


بقلم: عبد الله حناتلة
كأننا لا نصدق أن هنالك فيروس يحصد الرجال والنساء، ويأتي على الأطباء والتمريض، ويلقيهم الى غرف العناية الحثيثة وصناديق الشاحنات ليواروا مثواهم الأخير دون وداع من ابنٍ أو أبٍ أو إقامة جنازة أو عزاء، ودون أن يتمكن أحد من أحبائهم من طبع قبلة الوداع على جبين المتوفى أو حتى رؤية قبره.
كأننا لا نصدق أن هناك فيروس نقذفه بالرذاذ عند السعال والعطاس والكلام ليستقر على الأسطح والوجوه، وكل مكان أو يَعْلق في الهواء ساعات باحثاً عن صدر يقتحمه ويقتل صاحبه، أو نحمله بأيدينا وننشره ذات اليمين وذات الشمال.
كأننا ننسى أنَّ هذا الفيروس نحمله بأيدنا الى مقابض الأبواب أو أكياس الخضار والفاكهة، وكأننا ننسى أو نتناسى كيف كنا نفتح الأكياس البلاستيكية بتقنية (لعق الأصبع)، وكيف كنا نختار الفاكهة والخضار بذات الإصبع الملعوق لنضع بعض الرذاذ على حبات الخيار والبندورة التي لم تعجبنا، ويختارها شخص آخر بجانبنا على ذات (البسطة) أو حتى على حبات خبز الحمام التي نأخذها الى أطفالنا وهي تحمل بقايا لعقات من إصبع غريب ألقاها جانبا قبل ثواني.
نقول: لماذا نغسل أيدينا؟ وكأننا نزعم أننا خبراء في ضبط العدوى؟ وننسى لحظات نقضيها في الحمام؛ فنقبض يد الشطاف في المكان الأكثر تلوثاً،  ثم مفتاح (النيجارا)، ونقوم الى مِقبض حَنفية المغسلة فنفتحها بذات اليد الملوثة من الشطاف، ونغسل أيدينا بالصابون؛ لكن بطريقة (إقزي عني) ونعود الى إغلاق الحنفية لنأخذ ما استأمناها عليه من تلوث وجراثيم الى المستودع المحكم  الذي يكتنز جراثيمنا كلها وهو البشكير فنخزن فيه ما تيسر من ملوثات وبكتيريا وفيروسات ومسببات مرضية، ونأخذ منه ما قُسِم لنا أن نأخذ الى مقبض الباب من الداخل والخارج، وبعدها ربما الى باب المطبخ أو خروجا الى باب الشقة وفي الطريق لا يخلو الأمر من (نكشة) أذن أو أنف أو أسنان لإخراج حبة سمسم الزعتر البلدي  من وجبة الإفطار، ومن ثم نتوجه الى مفتاح المصعد من الخارج ثم رقم الطابق من الداخل ثم الى مفتاح (الإنتركم) على باب العمارة ثم الى السيارة  -رجائي تريثوا قليلا ولا تغادرا القراءة قرفًا – لكن لكم أن تتخيلوا كم منا يمر في
 هذه الحلقة يومياً 
. فإذا نسيتم أو تناسيتم أو استثنيتم أنفسكم من الإصابة، فلكم مراجعة هذه الحلقة، وألقوا عليَّ أنا اللوم جاركم الأقل حظاً.
ما حدث وما رأيناه اليوم يندى له جبين الأردنيين الذين لم يُخِفهم الجوع، ولم تُذلّهم الحاجة والفقر، والذين عضوا ويعضون على أحشائهم ولا يكسرون جباههم المرفوعة لأحد، لسنا نحن الذين نخاف الجوع أو نتراكض ونتزاحم على كيس خبز، ولسنا نحن من يحضر زوجته ليحوز كيساً من الخبز لكي يحرم جاره، ونحن من يتحدث عن نخوتنا وشهامتنا القاصي والداني. والله إن كورونا أقرب الينا مما تتوقعون، والله لن نموت جوعاً، لكننا سنبكي كثيرا وسنبكي دماً عندما نفقد أحباءنا، ونلطم رؤوسنا ونعض كفوفنا ندماً على وفاة أب أو أم أو ابن ونندم حين لا ينفع الندم ونلوم أنفسنا على كل لحظة تجاوزنا بها التعاليم الموصى بها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق