بقلم علي طه
النوباني
يحكى أن بلادا تفشى فيها داء
الطمع ، وأصبح الحق فيها غريبا ، والمطالبة به نوع من الدلع ،فأمسك الزمام ظالم
بعد ظالم ، ولم ينفع الناس صبر ولا تمائم ، واختفت في لجة الفوضى كل المكارم ، فلا
من سامع إذا بكى الأطفال جوعا، ولا من منجد إذا تفجر الظلم ينبوعا ،ولا من ربوة
تعصم الفقراء ، من جشع السماسرة والوكلاء ، حتى إذا استفحل الداء ، وعز الطبيب
والدواء ، تنادى الناس في الأرجاء ، وعلا هرجهم في الفضاء.
نحن الآن في صبوة السكارى ،
والهم كأس تدور على الأعراب في الصحارى ، والديار التي كانت قديما ديارا ، هي الآن
نهب لكل غشاش فاسق يوقد فوق الجرح نارا، ولوثة الزمن السقيم ، قد أسكنتنا في
الجحيم ، مثلما جعلت الأسد فارا ، فإذا ما رأيت مسؤولا ، ينصحك بأن تأكل الفولا ، فاعرف
بأن صمتك هو الذي أوحى لمثله بأن يصول وأن يجولا ، وإذا ما رأيت أفاقا يختال مثل
طاووس ، الناس تموت قهرا وهو يقرع الكؤوس ، فاعرف بأن هذا ـ لو سادت العدالة ـ
لمات في الحبوس ، ولكسر المظلومون أنفه بالمعاول والفؤوس .
وتساءل الناس من أين يخرج
المرتشون ، فيجوع الناس وهم جرب البطون ، ويتسمر الأطفال مثل الحجارة وهم يلعبون ،
وتتوقف الحياة عن دورانها وهم يتكاثرون ، والحق المسجل من ألف عام لزيد يصير
لزيدون .
وتساءل الناس لماذا جاءت
الحكومات ، وتزين رجالاتها بالأوسمة والياقات ، وتقاسموا ثروة الناس وتركوهم على
الفتات ، فانبعث أولادهم أسيادا ، وبقي الشعب طوال العمر أولادا ، قواد يورثهم
قوادا ، فعذبوا كل من يحلم بالسعادة ، ومنحوا المجرمين أوسمة البلادة ، وصارت جهنم
للمساكين عيادة .
وتساءل الناس عما هو الأصعب ، لطمة الحكام أم لطمة الأقدار ، والظلم في الليل أم الظلم في عز النهار ، والبكاء على الأطلال أم البكاء في قلب الديار .
وتساءل الناس عما هو الأصعب ، لطمة الحكام أم لطمة الأقدار ، والظلم في الليل أم الظلم في عز النهار ، والبكاء على الأطلال أم البكاء في قلب الديار .
وتساءل الناس عمن ربط أفواههم
بالسلاسل ، وجعل من كرامتهم حذاء للشعوب والقبائل ، وبدّل غزلانهم بالقرود
والتنابل ، فأصبحوا مهزلة الشعوب ، وقد كانوا الأوائل .
هكذا حزم الناس متاعهم وفروا في الزمن ، وتساءلوا حتى عن معنى الوطن ، هل هو الأرض والتراب والهواء ؟ هل هو الموت في خدمة الأسياد والوكلاء، وسيادة الفوضى ومهزلة الولاء .
هكذا لم يبق من الطوفان غير الأسئلة ، وأجمع الناس أنهم لم يحصدوا من الأوطان غير البهدلة ، وربما يدركون يوما بأنه ليس هنالك أنظمة منزلة ، لكي يرفعوا رؤوسهم ، ويصنعوا من سفرها بسملة.
هكذا حزم الناس متاعهم وفروا في الزمن ، وتساءلوا حتى عن معنى الوطن ، هل هو الأرض والتراب والهواء ؟ هل هو الموت في خدمة الأسياد والوكلاء، وسيادة الفوضى ومهزلة الولاء .
هكذا لم يبق من الطوفان غير الأسئلة ، وأجمع الناس أنهم لم يحصدوا من الأوطان غير البهدلة ، وربما يدركون يوما بأنه ليس هنالك أنظمة منزلة ، لكي يرفعوا رؤوسهم ، ويصنعوا من سفرها بسملة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق